يمثل التعليم ركيزة أساسية في مسيرة التنمية الشاملة التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تأتي في إطار جهودها الرامية لأن تصبح إحدى أبرز القوى الاقتصادية في العالم. في زيارتي الأخيرة إلى مشروع مدارس دبي، أيقنت مجدداً أهمية التعليم والدور الذي يلعبه في رسم ملامح المستقبل.
تركز الأجندة الوطنية للتنمية في دولة الإمارات بشكل دائم على توفير التعليم الجيد لمواطنيها، وكذلك للمقيمين على أرضها ممن اختاروا العيش على أرضها لتكون وطنهم الثاني.
وفي الآونة الأخيرة، أدخلت الحكومة تغييراً هيكلياً على وزارة التربية والتعليم، وذلك بهدف تعزيز التقدم الذي أحرزته في قطاع التعليم، والتي تأتي في إطار توجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي يولي التعليم أهمية قصوى، حيث قال في تغريدة له: “قطاع التعليم اليوم ليس كالأمس.. وطموحاتنا اليوم ليست كالأمس.. ومهارات المستقبل ستكون مختلفة ومتجددة.. وهدفنا إعداد جيل يحمل الراية.. ويكمل المسيرة.. ويتمسك بالهوية.. وينطلق للعالمية بكل ثقة”. ويؤكد صاحب السمو في مقولته هذه على أن رؤية المستقبل تعتمد على التأسيس لقطاع تعليم قوي وتنافسي، وقادر على الاستجابة لتحديات عالمنا الذي يشهد تطورات متسارعة.
جودة عالمية
كشف تقرير صادر عن وكالة “برايس ووترهاوس كوبرز” أو كما تعرف اختصاراً (PwC) حول قطاع التعليم، أن نظام التعليم المدرسي والعالي في دولة الإمارات العربية المتحدة يحتل مرتبة متقدمة على قائمة أفضل 20 نظاماً عالمياً. وتعد الدولة موطناً لعدد من مؤسسات التعليم العالي المرموقة عالمياً، نذكر منها جامعة نيويورك وجامعة السوربون في أبوظبي. وفي الوقت ذاته، تستضيف دبي جامعات رفيعة المستوى، مثل جامعة برمنغهام وجامعة ولونغونغ. وتوجد فيها أيضاً مؤسسات محلية عالية الجودة، مثل جامعة الإمارات وجامعة خليفة، إضافة إلى الجامعة الأمريكية في دبي. كما تعد إمارة الشارقة موطناً للجامعة الأمريكية في الشارقة، وهي واحدة من أفضل الجامعات القائمة على الأبحاث في المنطقة.
وتندرج كل من إماراتي دبي وأبوظبي أيضاً ضمن قائمة الوجهات التي يوجد فيها أكبر عدد من المدارس الدولية، حيث توفران تعليماً متطوراً قبل مرحلة التعليم الجامعي. وتسهم المناهج التعليمية المتطورة في مساعدة الخريجين على الالتحاق بأرقى مؤسسات التعليم العالي في الخارج، مثل جامعتي هارفارد وأكسفورد، فضلاً عن العديد من المؤسسات الأكاديمية البارزة الأخرى.
وفي تقرير له صدر العام الماضي، كشف “المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء” أن دولة الإمارات العربية المتحدة احتلت المرتبة الأولى في مؤشر الالتحاق بالتعليم الابتدائي ومحو الأمية في تقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كما جاءت في المرتبة الأولى من حيث مؤشر تدفق الطلاب الدوليين الذي نشره “المعهد الدولي للتطوير الإداري” في سويسرا. وتعد هذه التصنيفات شاهداً حياً على الجهود التي تبذلها الدولة لضمان التعليم الجيد والشامل والعادل، فضلاً عن تعزيز فرص التعلم للجميع مدى الحياة.
نهج شامل
علاوةً على ذلك، لا يتمحور اهتمام دولة الإمارات العربية المتحدة بشكل حصري على جودة التعليم الذي يركز على التنافسية الأكاديمية. ففي إطار نهجها الشامل في قطاع التعليم، ألزمت الدولة المدارس في القطاعين العام والخاص بتدريس مقرر حول “التربية الأخلاقية”، وذلك من أجل غرس القيم الضرورية في نفوس الطلاب، بما يسهم في تكوين شخصياتهم، ويساعدهم على الإسهام بشكل إيجابي في المجتمع، ليس فقط في الإمارات العربية المتحدة، وإنما أيضاً على مستوى العالم.
ويهدف منهاج التربية الأخلاقية إلى تشجيع الطلاب على تبني التسامح والقيم النبيلة وتكريسها في المجتمع، وممارسة وتطبيق هذه القيم في تعاملاتهم اليومية، إلى جانب الفضائل الإيجابية الأخرى، التي ستساعدهم على رؤية العالم من منظور أخلاقي. ويتم تدريس هذه المادة دون الاستعانة بكتب أو إجراء امتحانات.
ويغطي برنامج التربية الأخلاقية أربع ركائز هي: “الشخصية والأخلاق” و”الفرد والمجتمع” و”الدراسات المدنية” و”الإمارات والثقافة العالمية”، كما يمزج بين المحتوى الأكاديمي مع استكشاف الشخصية والأخلاق.
وقالت الحكومة في بيان صدر عند إطلاقها هذا البرنامج: “إنها حريصة على بناء الأدوات التي ستتيح لجميع الأطفال، ليس فقط الأطفال الإماراتيين ولكن جميع الأطفال الذين يعيشون في الدولة، ليكونوا على أتم الاستعداد والجاهزية للمساهمة في بناء العالم عند وصولهم إلى سن النضج”.
مبادرات مؤسسة حسين سجواني – داماك الخيرية
لقد كانت هذه البرامج مصدر إلهام للعديد من الشركات لتبني مبادرات المسؤولية الاجتماعية للشركات القائمة على دعم القطاع التعليمي في الدولة. ومن هذا المنطلق، أعلنت مجموعة داماك الشهر الماضي عن توقيع مذكرة تفاهم مع “صندوق المعرفة” ومشروع “مدارس دبي” لتقديم منح دراسية للطلاب الإماراتيين من مواطني إمارة دبي لمدة خمس سنوات.
وتأتي هذه المبادرة الجديدة في أعقاب إطلاق مبادرة الصفحة البيضاء “جدد حياتك من داماك” التي تم الإعلان عنها في بداية شهر رمضان لهذا العام، لمساعدة المتعسرين مالياً المؤسسات العقابية والإصلاحية بدبي والمدانين بأحكام مخففة. وتشكل هذه المبادرات جزءاً من نهج المؤسسة التي تبنت ثلاثة أنشطة للمسؤولية الاجتماعية خلال العام الجاري 2022.
وفي شهر مايو من هذا العام، اختتمت مبادرة “مليون مبرمج عربي” بعد نجاح دام خمس سنوات. وتم تنظيم هذا البرنامج تحت مظلة مبادرات محمد بن راشد آل مكتوم العالمية تحت إشراف مؤسسة دبي للمستقبل. ونجح البرنامج في جذب أكثر من مليون شاب وفتاة عربية يقيمون في 80 دولة للمشاركة في المبادرة وتعلم لغة البرمجة.
وكانت مؤسسة حسين سجواني – داماك الخيرية الداعم الرئيسي لهذه المبادرة المهمة، ولا تزال تؤكد التزامها بالاستثمار في الأفراد ونشر الأمل في قلوب الشباب العربي، وتزويدهم بالأدوات اللازمة لصنع مستقبل أفضل لهم وللأجيال القادمة.
ومع وجود مثل هذه البرامج، إضافة إلى المبادرات الأخرى التي تسهم في تحسين جودة التعليم باستمرار في دولة الإمارات العربية المتحدة، يبدو المستقبل أكثر إشراقاً لمواطني الإمارات والمقيمين فيها على حد سواء، لاسيما وأنها تستحوذ على مكانة متقدمة على مؤشر جودة الحياة على مستوى العالم، فضلاً عن أن التسامح والرحمة والمساواة تمثل السمات القوية التي يمتاز بها النسيج الاجتماعي في الدولة.