حسين سجواني، مؤسس ورئيس مجلس إدارة داماك العقارية
الطريق الوحيد لتحقيق التقدم في قطاع العقارات بدبي
لطالما كان قطاع العقارات في دبي محطّ تكهّنات، فالجميع لديهم آراؤهم الخاصة المتعلقة بمستقبل القطاع، بدءاً من الخبراء وانتهاءً بالأشخاص الذين يستندون إلى معلومات خاطئة. ولكن، ما الذي يخبئه المستقبل حقيقةً لهذا القطاع، والذي لطالما كان قدوة مضيئة في الابتكار والطموح بالنسبة لبقية العالم؟ أعتقد أننا جميعاً نستسهل التعميم؛ ولكننا إذا أردنا أن نفهم مستقبل قطاع العقارات في دبي، فعلينا أن نتحرر من المفاهيم المسبقة، وأن نختار المنظور الأنسب للإطلالة على هذا القطاع متعدد الأبعاد.
واسمحوا لي أن أبدأ بتسليط الضوء على تاريخ القطاع: لقد أسسنا ’داماك العقارية‘ عام 2002، وهو العام الذي فتحت فيه الحكومة الباب أمام تملّك الأجانب منازل في مناطق حرة محددة في دبي. وبوصفها شركة إماراتية، فقد وُلدت ’داماك العقارية‘ حاملة معها رسالة بناء دبي بما يتوافق مع رؤية القيادة. ثم جاء عام 2008، والذي شهد قفزة هائلة في السوق جعلت من دبي مركزاً يستقطب أهم الخبراء والمختصين في مجال العقارات من مختلف أنحاء العالم. في تلك الفترة، كنا مصدر إلهام للعالم في أساليب الابتكار التي لم تكن تخطر على بال من قبل؛ هكذا، بدأت الأسعار بالارتفاع، وظن الجميع أن هذا الأمر لن يقف عند حد. وعندها، هزت الأزمة المالية عام 2008 العالم بأسره، ووجهّت ضربة قوية لقطاع العقارات في دبي، وبدأ القطاع يتجه نحو الاستقرار بوتيرة سريعة، مدعوماً بالمبادرات الحكومية والاهتمام الكثيف من المستثمرين الذين أغراهم هبوط الأسعار. ولكن، وكما في كل النكسات، فقد علمتنا الأزمة دروساً عديدة وجعلتنا أكثر قوة، فدبي تشتهر بأنها أرض النمو، ولذا فإن الطريقة الوحيدة التي تعلمناها لمواجهة التحديات المقبلة هي متابعة مسيرة النمو والازدهار في هذا البلد العظيم الذي بُني على أسس التطلع نحو النجاحات الكبيرة وفق مبادئ السوق والتجارة الحرة. وأنا شخصياً، وبصفتي قد ترأست إحدى أضخم الشركات العقارية في الإمارات العربية المتحدة، كنت أؤمن دائماً بالبناء من أجل المستقبل، وليس من أجل الحاضر فحسب.
ولا بد هنا من الرد على الأسئلة التي كثيراً ما تواجهها شركات التطوير العقاري في مختلف أنحاء المنطقة حول “فائض العرض”، وعن الجدوى من مواصلة تشييد المزيد من المشاريع رغم التراجع في المبيعات. إن هذه الأسئلة تدل على المبالغة في تقييم أهمية الإحصائيات وأرقام المبيعات، والتي، وعلى الرغم من أنها قد تشكل مؤشراً للنمو، فهي لا تكون سبباً له في معظم الحالات. والعنصر الأهم في الواقع هو ثقة المستثمرين وميولهم، والتي تلعب دوراً رئيسياً في قطاع العقارات، خاصة وأنه استثمار طويل الأمد في نهاية المطاف. ولذا، كنت وما زلت أؤمن بالمنهجية التعاونية التي يعتمدها القادة ذوو الرؤية الثاقبة في الإمارات العربية المتحدة، والسياسات المبتكرة التي يتخذونها لتحفيز واستقطاب المستثمرين العالميين. ففي الوقت الذي بدأت فيه إشاعات فائض الطلب والتباطؤ في النمو تعشش في أذهان المستثمرين، تداركت الحكومة الموقف معلنةً عن تغييرات جذرية في قوانين منح تأشيرة الدخول، لتسمح للمستثمرين والأخصائيين والطلاب المتميزين بالحصول على تأشيرات إقامة لمدة تصل إلى 10 سنوات. وما من شك في أن هذه الخطوة الذكية ستعزز من الأجواء الإيجابية وترسخ مكانة البلاد بوصفها حاضنة للاستثمارات العالمية.
وإضافة إلى ذلك، فنحن مقبلون على ’إكسبو 2020 دبي‘، والذي سيتيح أمام القطاع فرصة لا مثيل لها لاستقطاب المستثمرين من مختلف أنحاء العالم، كما أن السياسة الاقتصادية لحكومة دبي، والتي نُشرت مؤخراً، نصّت على زيادة الميزانية المخصصة للبنى التحتية بنسبة 20 في المئة، ما سيكون له تأثيرات متتابعة على كافة القطاعات المرتبطة بالبنى التحتية، وفي مقدمتها قطاع العقارات. ومع المجال اللامحدود الذي تتيحه دبي للابتكار، فإننا نحمل على عاتقنا مسؤولية تنمية روح الابتكار، والتي تتعاظم يوماً بعد يوم على مستوى البلاد، خاصة وأن دبي تشكل إحدى أهم الوجهات السياحية التي تستقطب الزوار من مختلف أنحاء العالم، وهو ما يتيح لشركات التطوير العقاري فرصة فريدة لابتكار بيئة ضيافة تمتاز بالديناميكية. وقد نجحت شركة ’داماك للفنادق والمنتجعات‘، ذراع الضيافة التابعة لـ ’داماك العقارية‘، في استقراء هذه الفرصة، لتعمد إلى تطوير مجموعة متنوعة من الفنادق والشقق الفندقية الفاخرة لتلبية كافة احتياجات الزوار.
ويبقى السؤال الكبير: هل ستواصل الأسعار انخفاضها؟ للإجابة على هذا السؤال، نعود قليلاً بالذاكرة إلى العام 2017، حيث انخفضت الأسعار على مستوى المدينة بنسبة تقارب 2.5%، ومع ذلك فقد سجلت تعافياً في مناطق محددة. النقطة الأخرى التي على المستثمرين تذكّرها، هي أن تثبيت الأسعار يحدث بشكل تدريجي، ولذا فعليهم مواصلة مراقبة حركة السوق عن كثب لاتخاذ القرار الصحيح؛ خاصة وأن جميعنا يدرك أنه كلما طالت فترة الانحدار، كلما استغرق التعافي بدوره وقتاً أطول. ويضاف إلى ذلك أن أسعار النفط بدأت بالارتفاع خلال الأسابيع القليلة الماضية، وإذا ما واصلت اتجاهها الحالي، فسنشهد قريباً تغيراً في ميول المشترين.
كما نشهد حالياً مرور السوق بمرحلة نضج، حيث تسعى شركات التطوير العقاري إلى مواكبة التغيرات الديموغرافية. فمع الازدياد المستمر في حجم الطبقة الوسطى على مستوى المنطقة، ومع دخول عدد كبير من الشباب إلى سوق العمل، يتجه عدد متزايد من العملاء إلى شراء العقارات بدلاً من استئجارها، ما يشكل فرصة رائعة على صعيد تطوير مشاريع الإسكان ذات التكلفة المعقولة.
ومع ذلك، تبقى التحديات أحد أهم العناصر التي تساعد في نمو أي قطاع تجاري، فهي تضطرنا إلى التحرر من القيود والخروج بحلول مبتكرة تواكب احتياجات السوق، ولذا فإن التغاضي عن التحديات الراهنة والمقبلة، أو الاستسلام لها، لن يفضي إلى أي تقدم على مستوى القطاع؛ والأجدر بقادة القطاع، لدى مواجهتهم لمثل هذه التحديات، مواصلة مسيرة العمل واتخاذ القرارات الصحيحة. هذا ما أسعى دوماً لتحقيقه بوصفي ناشطاً في مجال التطوير العقاري يستوحي إلهامه من المدينة نفسها، المدينة التي علمتني أن أتحلى بالمرونة وأواصل العمل نحو تحقيق المستحيل. ولكي نعرف الطريق الصحيح للتقدم، لا ينبغي علينا إلا أن نتذكر الآتي: إن سوق العقارات في دبي قد وصل إلى النضج مع مرور الزمن وتراكم الخبرات، وأن قدرته على استقطاب المستثمرين الدوليين لن تتجه إلا نحو مزيد من الارتفاع، لأن دبي هي مدينة الأحلام، ومسؤوليتنا كإحدى الشركات العقارية الرائدة إقليمياً، هي تحويل هذه الأحلام إلى حقيقة.