بقلم حسين سجواني
ما هي سرعة اعتيادنا على التكنولوجيا الجديدة؟ في عام 1967، كان “منزل المستقبل”، والذي بُني في ’ديزني لاند‘ في كاليفورنيا، يضم ابتكارات كانت آنذاك تتجاوز الخيال، مثل آلة غسيل الأطباق وفرن المايكروويف وجهاز تكييف الهواء. أما في يومنا هذا، فلم تعد فكرة العيش في منزل يخلو من هذه الأدوات الأساسية واردة بالنسبة إلى معظم الأشخاص.
وقد بات المنزل العصري في عام 2017 مليئاً بالمعدات والأجهزة التي يتم التحكم بها صوتياً، بدءاً من أنظمة الإنارة الذكية والتحكم بالستائر، مروراً بأجهزة التلفاز الذكية المتصلة بالإنترنت وآلات تحضير القهوة الذكية، وانتهاءً بالأجهزة الذكية المخصصة لتقديم الطعام للحيوانات الأليفة.
وعلى سبيل المثال، فإن الثلاجة العصرية تضم وظائف ذكية لتخزين الأطعمة، وتتميز بتصميمها المدمج الذي يتمحور حول تحقيق أعلى مستويات الكفاءة البيئية والعملية، حيث تتم صناعتها من مواد تتيح الاستخدام المثالي للطاقة، ويُفترض أن تحقق الاكتفاء الذاتي على هذا الصعيد في المستقبل. وقريباً سنكون قادرين على التواصل معها، حيث سنتلقى التعليمات حول تاريخ انتهاء صلاحية الحليب، كما ستصلنا منها رسائل نصية تذكرنا بإحضار البيض في طريق عودتنا إلى المنزل. ولربما يأتي اليوم الذي تخبرنا فيه بالموعد المناسب لإخراج الكلب في نزهة، وإن كنت أعتقد أن الحيوانات الأليفة ستحظى بآلات مشي أوتوماتيكية خاصة بها بحلول ذلك الوقت.
ومع التغيرات التكنولوجية التي تتواصل بوتيرة محمومة، فإننا نعيش اليوم بداية ما أسماها كلاوس شواب، مؤسس “المنتدى الاقتصادي العالمي”، “الثورة الصناعية الرابعة”، والتي تلتقي فيها ابتكارات الذكاء الاصطناعي والروبوتات والواقع الافتراضي والتكنولوجيا الحيوية لتُحدث تأثيراً يضاهي في عمقه الثورات الثلاث التي سبقتها، وهي الثورة الصناعية وثورة الإلكترونيات وثورة الحاسوب.
ولعل الجانب الذي أحدث التأثير الأكبر حتى اللحظة – ونحن ما زلنا في المراحل الأولى لهذا التحول الجذري – هو ثورة الاتصالات؛ حيث يوجد اليوم أكثر من ثلاثة مليارات شخص في العالم متصلون بالتكنولوجيا الخلوية، أي ما يقارب نصف عدد سكان العالم بأكمله. وتشير التقديرات إلى أنه بحلول عام 2020، اي في وقت ليس بالبعيد، سيكون هنالك 20 مليار جهازاً “ذكياً” (متصلاً بالإنترنت)، والتي سيتمتع كل منه بقدرة حاسوبية تتيح له العمل واتخاذ قرارات مضبوطة بشكل مستقل.
وبكلمات أخرى، فإن إنترنت الأشياء سيحل مكان إنترنت الإنسان.
وستصبح المنازل الذكية جزءاً من شبكة المدن الذكية، وقد أعربت دبي بالفعل عن طموحها بأن تصبح إحدى أذكى المدن في القرن الحادي والعشرين، وقطعت شوطاً مهماً نحو تحقيق هذا الهدف؛ حيث باتت التعاملات، التي كانت تحتاج في السابق إلى الأوراق والمستندات والأختام، تنجز اليوم عبر الإنترنت دون أي تأخير.
وبحلول عام 2050، يمكننا أن نتخيل عالماً تفقد فيه حدود الجغرافيا والمسافات أي معنى لها، وذلك بفضل الشبكة العالمية للسفر الافتراضي ووسائط النقل فائقة السرعة مثل نظام ’هايبر لوب‘ الذي يخضع لبحث اعتماده في الإمارات العربية المتحدة. وفي ذلك الوقت، سيكون قطاع التجزئة قد شهد هو الآخر ثورته الخاصة نتيجة انتشار أنظمة التوصيل عبر طائرات الدرون، بفضل رواد القطاع من قبيل ’أمازون‘، أو حتى استبداله بالكامل بأنظمة الطباعة ثلاثية الأبعاد التي تتيح للعملاء الحصول على المنتج من منازلهم. كما ستكون تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد قد أحدث ثورة على مستوى سلاسل التوريد الصناعية والتجارية.
وسيكون لهذه التطورات تأثيرات هائلة على شركة مثل ’داماك العقارية‘، وإن كنا ما نزال اليوم في البدايات، لأن الحديث يدور فقط عن الابتكارات التي يمكننا تصورها، حيث أن مصممي منزل ’ديزني‘، على سبيل المثال، لم يخطر في بالهم مفهوم الثلاجة الذكية، ولا حتى على سبيل التخيل. وهنا لا بد من طرح السؤال التالي: ما هي الابتكارات “التي نجهل أننا نجهلها” والتي ستصبح من بديهيات الحياة بعد ثلاثين عاماً؟
ينبغي أيضاً ألا ننسى أن التكنولوجيا الأكثر تعقيداً أو تطوراً لا تكون دوماً الأكثر تأثيراً في حياتنا اليومية. وهذا ما عبر عنه الخبير الاقتصادي تيم هارفورد في مقالة له نشرت مؤخراً في صحيفة ’فاينانشل تايمز‘، والتي قال فيها إن ثلاثة ابتكارات أساسية، وهي إنتاج الورق، والأسلاك الشائكة، وحاويات نقل البضائع، أحدثت تأثيراً على المجتمع يضاهي أي اختراع يمكن أن نتخيله في مجال هندسة النانو، حيث أحدث كل واحد منها ثورة جذرية ودائمة في قطاع محدد (الاتصالات والزراعة والتجارة).
ولكن ما هي الابتكارات الجديدة التي من شأنها أن تحدث تحولاً جذرياً في أسلوب حياتنا وأماكن سكننا؟
لقد تطرقنا بالفعل إلى بعض منها، ولكن يمكن القول إن تأثير التكنولوجيا التفاعلية المدمجة، والتصنيع المسبق، والطباعة ثلاثية الأبعاد قد بات اليوم ملموساً بالفعل في قطاع البناء. وستصبح سلاسل التوريد أقصر من خلال التقنيات الجديدة المتعلقة بالنقل والجوانب اللوجستية، ما سيكون له آثار عميقة على اقتصاديات القطاع، وهو أمر نعيه جيداً في ’داماك العقارية‘.
وبكلمات أخرى، فإن أسلوب حياتنا سيتغير لا كمستهلكين فحسب، بل وكمنتجين أيضاً؛ حيث سيؤدي الانتشار المتزايد للروبوتات والذكاء الاصطناعي والأتمتة إلى الاستغناء عن العديد من المهام البسيطة وغير الضرورية التي ما زلنا اليوم مضطرين إلى أدائها بأنفسنا، ومن المفترض من الناحية النظرية أنه سيمنحنا المزيد من ساعات الفراغ ويثري حياتنا، بمعنى أننا سنتفرغ خلالها لتحقيق غايات أكثر جدوى وقيمة. فعندما لا يكون المرء مضطراً لغسيل الأطباق أو تشغيل الغلاية، سيكون قادراً على ممارسة شيء من الفن، أو قضاء المزيد من الأوقات المميزة بصحبة أطفاله.
ومع أن “الثورة الصناعية الرابعة” تَعِد بإثراء حياتنا، فإنها تهدد من جهة أخرى بقطع سبل العيش عن ملايين الأشخاص، والذين يكسبون قوت يومهم من خلال تأدية المهام البسيطة نفسها التي نسعى لتجنبها. وقد حذر البروفيسور شواب من أن سكان الدول النامية سيكونون الأكثر عرضة للضرر نتيجة التغيرات التي ستحملها هذه الثورة.
ورغم أن عصر الآلة يجب أن يقابل بالترحيب بوصفه حقبة جديدة في تاريخ التطور البشري، إلا أنه لا بدّ في الوقت نفسه أن نضمن أن تتم إدارته من قبل البشر، وتطويعه ليلبي احتياجاتهم في كل مرحلة من مراحل التحول.