بقلم حسين سجواني

أحرص على حضور فعاليات ’المنتدى الاقتصادي العالمي‘ في كل عام بهدف معرفة القضايا المهمة العالمية والتعمق في فهمها، والاستماع إلى النقاشات والمحادثات التي تسهم في بلورة وجهات النظر العالمية. 

ويشكل حضور المنتدى ولقاء عدد من ألمع العقول على مستوى العالم في مختلف القطاعات فرصة مهمة تتيح لي القدرة على بلورة رؤيتي الخاصة حول ملامح العام القادم، فضلاً عن تحديد التحولات الحاصلة في التوجهات العالمية ضمن إطار مجموعة واسعة من المواضيع والقضايا.

ويقام ’ المنتدى الاقتصادي العالمي‘ لهذا العام تحت شعار ’بناء مستقبل مشترك في عالم مُمزّق‘، مما أضفى بعضاً من الكآبة على رحلتي إلى مدينة دافوس التي تستضيف المنتدى. إذ تشكل المصالح الوطنية المتغيرة، وتنامي اتباع السياسات الوقائية، والتفاوت المتبAاين بين الازدهار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي حول العالم بعضاً من الأحداث العالمية التي تسهم في تفكك وتمزّق المجتمعات البشرية والحضارة الإنسانية بشكل عام.

واستحوذت الفرضية القائلة بأن عالمنا البشري قد اتجه فعلياً إلى تمزيق نفسه من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية على تفكيري، وجعلتني أتساءل حول المساهمات التي يمكن للمشاركين في المنتدى تقديمها لمعالجة هذا التفكك.

وقد تم تكريس المنتدى في نسخته لهذا العام لمعالجة الكثير من هذه التحديات والعمل على توحيد العالم بالإضافة إلى إعداد خارطة طريق واضحة المعالم حول العام القادم، وتقديم برنامج عمل محدد يستند إلى التفاعل والتعاون من أجل توفير الحلول لمشكلات العالم.

ومن هنا، يكتسب ’المنتدى الاقتصادي العالمي 2018‘أهمية قصوى كحدث تاريخي من جوانب عدة. ورغم غزارة الثلوج التي لم تشهد لها مدينة دافوس مثيلاً منذ 20 عاماً، فقد انصب تركيز القمة بشكل أساسي على الابتكار، وسبل تطبيق أحدث التكنولوجيا المتاحة لتحسين العالم من حولنا بما يشمل جميع مناحي الحياة في معظم القطاعات. وبدءاً من تقنيات الذكاء الاصطناعي ووصولاً إلى منظومة التعاملات الرقمية الـ ’بلوك تشين‘، شكلت الحاجة إلى تكوين فهم أفضل حول التطورات التكنولوجية والتي يمكن تسخيرها لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية إحدى المواضيع المتكررة خلال فعاليات المنتدى، فضلاً عن أهميتها في معالجة عدد من أكبر التحديات التي تواجه البشرية مثل الفقر، وتوفير فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية.

وشكّل ’ المنتدى الاقتصادي العالمي 2018‘ فعالية تاريخية ذات أهمية قصوى بالنسبة لي شخصياً، حيث أتيحت لي فرصة التحدث للمرة الأولى خلال جلسة حوارية انعقدت خلال أولى أيام المنتدى تحت عنوان “المهارات الرقمية في تحقيق النجاح الاقتصادي” ‘. وقد تناولت في حديثي دور التكنولوجيا في المساعدة على إحداث تغيير إيجابي ضمن إطار القوة العاملة العربية، وذلك من خلال إفساح المجال أمام الشباب العربي لاكتساب المهارات التي يحتاجونها من أجل وظائف المستقبل.

وتهدف الجلسة التي شاركت فيها إلى التشجيع على الحوار والخروج بحلول تعاونية لمعالجة الحاجة الملحّة إلى الارتقاء بسوية المهارات في العالم الرقمي. إذ أصبحت هذه الحلول بمثابة شرط إلزامي لمواكبة تسارع عمليات التحول الرقمي والأتمتة الشاملة على مستوى العالم. وتمحورت النقاشات في الجلسة حول أهمية تكوين فهمٍ أفضل حول الدور الذي تلعبه التقنيات الناشئة، وتصميم الحوافز المتعلقة بالاستثمار والعمل الجماعي لتحفيز تنمية المهارات، فضلاً عن مناقشة وجهات النظر المتباينة حول مفاهيم التعلّم مدى الحياة.

وخلال الجلسة قمت باستعراض تجربتي الشخصية ووجهة نظري الخاصة حول المقاربة التي تنتهجها منطقتنا تجاه الحلول التعاونية؛ إلى جانب تسليط الضوء على مؤسسة ’حسين سجواني – داماك الخيرية‘، التي قمت بإنشائها خصيصاً لدعم مبادرة ’مليون مبرمج عربي‘الرامية إلى توفير برامج تعليمية في مجال البرمجة إلى مليون شخص في منطقة الشرق الأوسط. كما قدّمت للحضور لمحة حول أهداف هذه المبادرة ودورها الفاعل في إحداث تحول إيجابي ملموس في العالم العربي.

وعلى نحو يتماشى مع رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، تتكامل مبادرة ’مليون مبرمج عربي‘ على النحو الأمثل مع الإجماع العالمي الذي شهدته خلال الجلسة والذي يتمثل في أن نجاح أي منطقة بتنمية مهارات قواها العاملة يعتمد إلى حد كبير على التعاون الوثيق بين القطاعين العام والخاص.

وخلال الحوارات التي أجريتها خلال الجلسة، أذهلني حجم ردود الفعل الإيجابية التي تلقيتها من المشاركين الذين أشادوا بالمبادرة، وأعربوا عن إعجابهم البالغ بها باعتبارها تمثل إحدى الجهود المتميزة والتي ينبغي تطبيقها في مختلف أنحاء العالم.  وقد أخجلت هذه الإشادة الواسعة تواضعي، وجعلتني في الوقت نفسه أشعر بالفخر، خاصة وأن العالم العربي نجح من خلال المبادرة بتحقيق الأسبقية ضمن إطار إحدى التحديات الرئيسية التي تتم معالجتها من خلال نسخة المنتدى لهذا العام.

وخلال ثاني أيام ’ المنتدى الاقتصادي العالمي 2018‘، أتيحت لي فرصة استثنائية للقاء أحد أبرز رواد التكنولوجيا على مستوى العالم وهو بيل غيتس، الذي شارك في تأسيس شركة ’مايكروسوفت‘، وكرّس حياته وموارده المالية من عام 2000 لدعم الجهود الخيرية. فمن خلال ’مؤسسة بيل وميليندا غيتس‘ الخيرية، ساهم غيتس في تحسين حياة ملايين الأشخاص حول العالم. وخلال مأدبة غداء خاصة، أتيحت لي فرصة مناقشة مبادرة ’مليون مبرمج عربي‘ مع غيتس، والاطلاع على وجهة نظره حول أفضل السبل المتاحة للاستفادة من هذه المبادرة على المدى الطويل.

ومع نهاية ثالث أيام المنتدى، وبعد حضوري الكثير من الجلسات النقاشية والتي أتاحت لي فرصة لقاء عدد من ألمع عقول حول العالم والاطلاع على أفكارهم ورؤاهم الخاصة حول سبل تحسين العالم، غادرتُ ’المنتدى الاقتصادي العالمي‘ وأنا مفعم بالتفاؤل لأن المجتمع العالمي يعمل بشكل تعاوني متناغم، وأن تلك التمزقات ليست سوى بوادر تفكك ضعيفة قابلة للإصلاح، وقد بدأت فعلياً عملية إصلاحها خلال أيام المنتدى الثلاثة.

وخلال الساعات الأخيرة التي قضيتها في المنتدى، أتيحت لي فرصة حضور حدث تاريخي آخر تمثل باستقبال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، وهو أول رئيس يتوجه لزيارة المنتدى في دافوس منذ حوالي 20 عاماً – مما منحني إحساساً متجدداً وحماساً تجاه تحقيق الهدف، ومنهجية تفكير مفعمة بالرؤى والمعارف المتميزة، والثقة بأننا كعرب قد نجحنا في انتهاج الطريق الصحيح نحو مستقبل أفضل وأكثر اتساقاً وشمولية.