حسين سجواني، مؤسس ورئيس مجلس إدارة داماك العقارية

“إن البقاء ليس للأقوى أو الأكثر ذكاءً، وإنما للأسرع تجاوباً وتكيفاً مع التغيير” – تشارلز داروين.

فيما يشهد عالمنا المعاصر تحولاتٍ وتبدّلاتٍ جذرية بوتيرة فائقة السرعة، هذه المقولة لم تكن أكثر واقعيةً وأهمية مما هي اليوم. ولا شك أن التغيير ينطوي على العديد من التحديات والفرص في الوقت عينه. ومن واجبنا – نحن صُنّاع السياسات وقادة الأعمال – أن نوجّه معاً دفّة عالمنا بشكلٍ جماعي نحو مستقبلٍ مشرق للجميع دون استثناء.

ولحسن الحظ، إن جميع الأدوات اللازمة للمساهمة في تحقيق ذلك متاحة لنا؛ فالابتكارات الاستثنائيّة في مجالات العلوم والتكنولوجيا ساهمت في جعل عالمنا أكثر ترابطاً وكفاءة من أي وقتٍ مضى. وأصبحت شرائح المجتمعات التي قد يكون قد تم استبعادها في وقت ما، قادرةً اليوم على الوصول إلى المعلومات والأدوات التي تضمن لأفرادها الولوج إلى الأنظمة العالمية وأن يكونوا أعضاء مساهمين في إنشاء نظامٍ عالمي جديد.

وبالطبع، ثمة هنالك مخاطر جديدة برزت في عالمنا اليوم، مثل التفاوت الاقتصادي والاجتماعي والأمن الغذائي والموارد الطبيعية والمشاحنات الجيوستراتيجيّة والاستدامة والتغيّر المناخي، والتي تمثل بمجملها تحدياتٍ تُعرقل تحقيق رؤيتنا الشاملة حول ضمان السلام والازدهار للجميع. ومع ذلك، فإن التبدّلات الاجتماعية والاقتصادية المستمرة، المدعومة في المقام الأول بوتيرة تطور التقنيات وانتشارها بشكل أوسع، يمكن أن تلعب دوراً محورياً في مجابهة هذه التحديات عبر تضافر جهودنا كمجتمع واحدٍ ومتماسك.

وفي هذا السياق نتساءل: هل هناك نقطة انطلاقٍ مثالية أفضل من منطقة الشرق الأوسط لقيادة هذا التغيير المنشود؟ في الواقع، شكّلت هذه المنطقة قلب الخارطة الجيوسياسيّة العالمية لقرونٍ عديدة؛ وهذا ليس بمحض الصدفة. فقد ساهمت الموارد الطبيعية والبشرية لهذه المنطقة، إلى جانب موقعها الجغرافي الاستراتيجي في جعلها نقطة التقاءٍ محورية للعالم بأسره. بالفعل، لو نظرنا إلى إمكانات ومقوّمات منطقتنا، سنجد فرصاً متاحة في كل اتجاه ومجال، فمنطقة الشرق الأوسط تضم أكثر من 400 مليون نسمة يمثل الشباب دون سن 25 عاماً نسبة 40% منهم، وتستأثر بنسبة تتخطى 65% من احتياطيات ’أوبك‘ النفطية، وما يزيد عن 40% من احتياطيات الغاز في العالم، ناهيك عن احتضانها للمطار الأول عالمياً من حيث حركة المسافرين.

وتكتسب هذه المنطقة أهمية متزايدة تتخطى التوقعات السائدة، ومفتاح الازدهار سيكون، دون شك، في قدرتنا على تمكين المائة مليون فرد في الشرق الأوسط الذين تتراوح أعمارهم بين 15 – 29 عاماً للمساهمة في رسم مستقبلٍ مشرق لهذه المنطقة، وتعزيز مساهمتها في مسيرة الرخاء والازدهار العالميّة. وقد أدركت دبي أهمية هذه الفرصة القيّمة منذ سنواتٍ عديدة؛ وهي تقود اليوم مسيرة تطور المنطقة عبر التبنّي السريع لأحدث التقنيات المتقدمة، وتقديم دعمٍ غير محدود لمجالات الابتكار والبرامج والمبادرات التحضيرية والتدريبيّة واسعة النطاق مثل مبادرة “مليون مبرمج عربي”، والتي نحن داعمين فخورين لها.

وفيما نشهد تقدّم الثورة الصناعية الرابعة، فإننا نقف عند مفترق طرق بين الهيمنة والشمول. وقد حان الوقت كي يستفيد المواطنون والشركات والحكومات والمنظمات غير الحكومية من عالم أكثر تواصلٍ وترابط، والتعاون من أجل الصالح العام، والبحث بشكلٍ جماعي عن حلول للقضايا والمشكلات العالمية الملحة. الآن هو التوقيت الأمثل لإرساء منهج عملٍ يتمحور بالدرجة الأولى حول الإنسان في سبيل تحقيق التنمية، وهو نهج يتخطّى الحدود التي رسمها وصنعها الإنسان ذاته. وعلينا جميعاً اليوم التأكيد على ضرورة العمل بجدٍ واغتنام كل الفرص المُتاحة، والاستعداد جيداً لاحتضان تغييرات مؤثرة تصب في صالح الجميع.

وخلال الأسبوع الماضي، وحّد العالم جهوده في دبي من أجل وضع جدول أعمال الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2019، وكانت رسالتنا واضحة لسائر بلدان المنطقة وهي: الشرق الأوسط يمتلك جميع المقومات التي تدعم التدابير اللازمة لتحقيق التماسك والمساواة والازدهار في العالم؛ وإن المرحلة الراهنة مواتية أكثر من أي وقتٍ مضى للعمل على إحداث تغيير إيجابي ومؤثر نصبو إليه جميعاً.